الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
تنبيه: الضحك المميت للقلب ينشأ من الفرح والبطر بالدنيا وللقلب حياة وموت فحياته بدوام الطاعة وموته بإجابة غير اللّه من النفس والهوى والشيطان، بتواتر أسقام المعاصي تموت الأجسام بأسقامها واقتصر من أسباب موته على كثرة الضحك وهو ينشأ عن جميعها لانتشائه من حب الدنيا وحبها رأس كل خطيئة بنص الخبر أوحى اللّه إلى داود ومن عصاني فقد مات ومن أسباب موت [ص 53] القلب الأشر والبطر والفرح وإذا مات لم يستجب له اللّه إذا دعاه. تنبيه: المأمور بالكف عن كثرة الضحك إنما هو أمثالنا أما من ذاق مشرب القوم من الأحباب فليس مراداً بهذا الخطاب، قال بعض العارفين: جلس ذو النون للوعظ والناس حوله يبكون وشاب يضحك فزجره، فأنشأ يقول: كلهم يعبدون اللّه من خوف النار * ويرون النجاة حظا جزيلا ليس لي في الجنان والنار رأي * أنا لا أبتغي بحبي بديلا فقيل له: فإن طردك فما تفعل؟ قال: فإذا لم أجد من الحب وصلا * رمت في النار منزلا ومقيلا ثم أزعجت أهلها ببكائي * بكرة في ضريعها وأصيلا معشر المشركين نوحوا عليّ * أنا عبد أحببت مولىً جليلا لم أكن في الذي ادّعيت صدوقاً * فجزائي منه العذاب الوبيلا وقال ابن عربي: خدمت امرأة من المخبآت العارفات تسمى فاطمة بنت المثنى القرطبي خدمتها وسنها فوق خمس وتسعين سنة وكنت أستحي أنظر إليها من حمرة خديها وحسن نغمتها وجمالها كأنّ عمرها دون عشرين سنة وكانت تضرب بالدف وتفرح وتقول اعتنى بي وجعلني من أوليائه واصطنعني لنفسه فكيف لا أفرح ومن أنا حتى يختارني على ابن جني. - (هب) من حديث أبي رجاء وكذا القضاعي (عن أبي هريرة) قال العلائي: وأبو رجاء متكلم فيه وأقول: فيه أيضاً يزيد بن سنان أورده الذهبي في الضعفاء وقال: قال أبو داود: يرى بالقدر وبه يعرف أن العامري لم يصب في زعمه لصحته. 6423 - (كنت أول الناس في الخلق وآخرهم في البعث) بأن جعله اللّه حقيقة تقصر عقولنا عن معرفتها وأفاض عليها وصف النبوة من ذلك الوقت ثم لما انتهى الزمان بالاسم الباطن في حقه إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان إلى الاسم الظاهر فظهر بكليته جسماً وروحاً وأما قول الحجة المراد بالخلق التقدير لا الإيجاد فإنه قبل ولادته لم يكن موجوداً فتعقبه السبكي بأنه لو كان كذلك لم يختص. - (ابن سعد) في الطبقات (عن قتادة مرسلاً) ظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مسنداً لأحد وهو غفول فقد خرجه أبو نعيم في الدلائل وابن أبي حاتم في تفسيره وابن لال والديلمي كلهم من حديث سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ كنت أول النبيين في الخلق وآخرهم في البعث ثم إن فيه بقية وقد مر الكلام فيه وسعيد بن بشير ضعفه ابن معين وغيره. 6424 - (كنت نبياً) لم يقل كنت إنساناً ولا كنت موجوداً إشارة إلى أن نبوته كانت موجودة في أول خلق الزمان في عالم الغيب دون عالم الشهادة فلما انتهى الزمان بالاسم الباطن إلى وجود جسمه وارتباط الروح به انتقل حكم الزمان في جريانه إلى الاسم الظاهر فظهر بذاته جسماً وروحاٍ فكان الحكم له باطناً أوفى كل ما ظهر من الشرائع على أيدي الأنبياء والرسل ثم صار الحكم له ظاهراً فنسخ كل شرع أبرزه الاسم الباطن بحكم الاسم الظاهر لبيان اختلاف حكم الاسمين وإن كان الشرع واحداً (وآدم بين الروح والجسد) يعني أنه تعالى أخبره بمرتبته وهو روح قبل إيجاد الأجسام الإنسانية كما أخذ الميثاق على بني آدم قبل إيجاد أجسامهم ذكره ابن عربي ومنه أخذ بعضهم قوله لما أخذ اللّه من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم كان محمد أول من قال بلى ولهذا صار متقدماً على الأنبياء وهو آخر من يبعث، فإن قيل حقيقة آدم في هذا الهيكل المخلوق من طين المنفوخ فيه الروح فمجموع الروح والجسد [ص 54] هو المسمى بآدم فما معنى وآدم بين الروح والجسد؟ فالجواب أنه مجاز عما قبل تمام خلقته قريباً منه كما يقال فلان بين الصحة والمرض أي حالة تقرب من كل منهما قال السخاوي: وما اشتهر على الألسنة بلفظ كنت نبياً وآدم بين الماء والطين فلم أقف عليه. - (ابن سعد) في الطبقات (حل عن ميسرة الفجر) له صحبة من أعراب البصرة (ابن سعد عن ابن أبي الجدعاء طب عن ابن عباس) قال: قيل يا رسول اللّه متى كنت نبياً فذكره قال الطبراني: لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد وفيه قيس بن الربيع قال الذهبي: تابعي له حديث منكر، وظاهر صنيع المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحد من المشاهير وإلا لما أبعد النجعة وهو عجب فقد خرجه الترمذي في العلل وذكر أنه سأل عنه البخاري ولم يعرفه قال أبو عيسى: وهو غريب وأخرجه البخاري في تاريخه وأحمد بن السكن والبغوي عن ميسرة أيضاً وأخرجه عنه الحاكم بلفظ قلت: يا رسول اللّه متى كنت نبياً قال: وآدم بين الروح والجسد وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي وأخرجه أحمد والطبراني باللفظ المزبور عنه قال الهيثمي: رجالهما رجال الصحيح. 6425 - (كنت بين شر جارين بين أبي لهب وعقبة بن أبي معيط) فإنهما كانا أشد الناس إيذاء وظلماً له وقد بلغ من إيذائهما ما حكاه بقوله (إن كانا ليأتيان بالفروث فيطرحانها على بابي حتى إنهم ليأتون ببعض ما يطرحون من الأذى) كالغائط والدم (فيطرحونه على بابي) تناهياً في إيصال الأذية مبالغة في إضرار تلك النفس الطاهرة الزكية لما أراد اللّه وقدر في الأزل من تضاعف العقاب على تلك النفوس الشقية وقصة أبي جهل في وضع سلا الجزور على ظهره وهو ساجد مشهورة وفي ذلك إرشاد إلى ندب تحمل الأذى من الجار وأن من صبر فله عقبى الدار. - (ابن سعد) في الطبقات (عن عائشة). 6426 - (كنت من أفل الناس في الجماع حتى أنزل اللّه علي الكفيت) بفتح الكاف وسكون الفاء وفتح الياء بضبط المصنف كذا رأيته بخطه في نسخته (فما أريده من ساعة إلا وجدته وهو قدر فيها لحم) هذا صريح في رد ما قيل إن معنى الكفيت في خبر ورزقت الكفيت ما أكفت به معيشتي أي أضم وأصلح قال ابن سيد الناس: وكثرة الجماع محمودة عند العرب إذ هو دليل الكمال وصحة الذكورية ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمدح به سيرة مرضية. - (ابن سعد) في الطبقات (عن محمد بن إبراهيم مرسلاً) وهو الزهري (وعن صالح بن كيسان مرسلاً) رأى ابن عمر وسمع عروة والزهري قال الذهبي: كان جامعاً بين الفقه والحديث والمروءة وغير ذلك. 6427 - (كنت نهيتكم عن الأشربة) جمع شراب وهو كل مائع رقيق يشرب ولا يتأتى فيه المضغ حلالاً أو حراماً قاله ابن الكمال (إلا في ظروف الأدم) فإنها جلد رقيق لا تجعل الماء حاراً فلا يصير مسكراً وأما الآن فاشربوا في كل وعاء ولو غير أدم (غير أن لا تشربوا مسكراً) فإن زمن الجاهلية قد بعد واشتهر التحريم وتقرر في النفوس فينسخ ما كان قبل ذلك من تحريم الانتباذ في تلك الأوعية خوفاً من مصيره مسكراً فلما تقرر الأمر أبيح الانتباذ في كل وعاء بشرط عدم الإسكار. - (م عن بريدة) بن الحصيب كزبيب وفي رواية له عنه أيضاً نهيتكم عن الظروف وإن الظروف لا تحل [ص 55] شيئاً ولا تحرمه وكل مسكر حرام. 6428 - (كنت نهيتكم عن الأوعية) أي عن الانتباذ في الظروف (فانبذوا) في أي وعاء كان ولو أخضر وأبيض لعموم الخبر خلافاً لبعض المتقدمين (واجتنبوا كل مسكر) أي ما من شأنه الإسكار أي من أي شراب كان، وهذا نسخ صريح لنهيه عن النبذ في المزفت والنقير وبه أخذ الحبر. - (ه) عن بريدة ورواه عنه أيضاً ابن جرير وغيره. 6429 - (كنت نهيتكم) نهي تنزيه أو تحريم (عن لحوم الأضاحي) أي عن إمساكها وادخارها والأكل منها (فوق ثلاث) من الأيام ابتداؤها من يوم الذبح أو من يوم النحر وأوجبت عليكم التصديق بها عند مضي الثلاث وإنما نهيتكم عن ذلك (ليتسع ذوو الطول) أي ليوسع أصحاب الغنى (على من لا طول له) أي على الفقراء (فكلوا ما بدا لكم) أي مدة بدوّ الأكل لكم ولو فوق ثلاث (وأطعموا وادخروا) فإنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح الآن الادخار فوق ثلاث والأكل متى شاء مطلقاً قال القرطبي: وهذا الحديث ونحوه من الأحاديث الدافعة للمنع لم يبلغ من استمر على النهي كعلي وعمر وابنه لأنها أخبار آحاد لا متواترة وما هو كذلك يصح أن يبلغ بعض الناس دون بعض قال النووي: وهذا من نسخ السنة بالسنة قال ابن العربي: هذا من ناسخ الحديث ومنسوخه وهو باب عسر أعسر من القرن وقد كان أكلها مباحاً ثم حرم ثم أبيح ففيه رد على المعتزلة الذي يرون أن النسخ لا يكون إلا بالأخف لا الأثقل وأي هذين أخف أو أثقل فقد نسخ أحدهما بالآخر قالوا: ومحل جواز الأكل في التطوع لا المنذور. - (ه عن بريدة) وفي الباب عن علي وغيره. 6430 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور) لحدثان عهدكم بالكفر وأما الآن حيث انمحت آثار الجاهلية واستحكم الإسلام وصرتم أهل يقين وتقوى (فزوروا القبور) أي بشرط أن لا يقترن بذلك تمسح بالقبر أو تقبيل أو سجود عليه أو نحو ذلك فإنه كما قال السبكي بدعة منكرة إنما يفعلها الجهال (فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة) ونعم الدواء لمن قسى قلبه ولزمه ذنبه فإن انتفع بالإكثار منها فذاك وإلا أكثر من مشاهدة المحتضرين فليس الخبر كالعيان قال القاضي: الفاء متعلق بمحذوف أي نهيتكم عن زيارتها مباهاة بتكاثر الأموال فعل الجاهلية وأما الآن فقد جاء الإسلام وهدم قواعد الشرك فزوروها فإنها تورث رقة القلب وتذكر المموت والبلى، قال ابن تيمية: قد أذن النبي صلى اللّه عليه وسلم في زيارتها بعد النهي وعلله بأنها تذكر الموت والدار الآخرة وأذن إذناً عاماً في زيارة قبر المسلم والكافر والسبب الذي ورد عليه لفظ الخبر يوجب دخول الكافر والعلة موجودة في ذلك كله وقد كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يأتي قبور البقيع والشهداء للدعاء والاستغفار لهم فهذا المعنى يختص بالمسلمين انتهى. - (ه عن ابن مسعود) قال المنذري: إسناده صحيح وظاهر صنيع المصنف أن هذه الأحاديث لم يخرج منها شيء في أحد الصحيحين وليس كذلك بل جمع مسلم غالبها في حديث واحد وهو نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها وعن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكراً انتهى. وعزاه ابن حجر إلى مسلم وأبي داود والترمذي وابن حبان والحاكم من حديث بريدة بنحوه. [ص 56] 6431 - (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجراً) بالضم أي قبيحاً أو فحشاً وقد أهجر في منطقة أفحش وأكثر الكلام فيما لا ينبغي، وقوله نهيتكم خطاب رجال فلا يدخل فيه الإناث على المختار عند أصحابنا فلا يندب لهن لكن يجوز مع الكراهة ثم الزيارة بمجرد هذا القصد يستومي فيها القبور كما سبق قال السبكي: متى كانت الزيادة بهذا القصد لا يشرع فيها قصد قبر بعينه ولا تشد الرحال لها وعليه يحمل ما في شرح مسلم من منع شد الرجال لزيارة القبور وكذا بقصد التبرك إلا الأنبياء فقط وقال بعضهم: استدل به على حل زيارة القبور، هب الزائر ذكراً أم أنثى والمزور مسلماً أم كافراً قال النووي: بالجواز قطع الجمهور وقال صاحب الحاوي: ولا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط انتهى. وحجة الماوردي آية - (ك) في الجنائز (عن أنس) قال ابن حجر: سنده ضعيف. 6432 - (كنس المساجد مهور الحور العين) بمعنى أن له بكل كنسة يكنسها لمسجد من المساجد حوراء في الجنة ويظهر أن ذلك إذا فعله محتسباً لا بأجرة كما هو المتعارف الآن. - (ابن الجوزي) في العلل المتناهية في الأحاديث الواهية من حديث عبد الواحد بن زيد عن الحسن (عن أنس) بن مالك وأورده أيضاً بسنده في الموضوعات وحكم بوضعه وقال: فيه مجاهيل وعبد الواحد بن زيد متروك انتهى وروى نحوه الديلمي والطبراني. 6433 - (كونوا في الدنيا أضيافاً) يعني بمنزلة الضيف ودار ضيافتكم الإسلام والضيف ينزل حيث ينزله المضيف ويأكل ما قدم له ولا يتحكم فإنه لا بد من الارتحال وسائر ما تراه في هذه الدنيا خيال ومن لا يعرف مرتبة الخيال فلا عنده من المعرفة رائحة بحال وقد قال عليه الصلاة والسلام الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا فنبه به على أن ما أدرك في هذه الدار كإدراك النائم في النوم وهو خيال فبالموت يرى أنه استيقظ وهكذا كل حال يكون فيه لا بد لك من الانتقال عنه كالضيف لا بد له من الانتقال (واتخذوا المساجد بيوتاً) يعني لدينكم إليها تأوون وإلى ذكر اللّه فيها تسكنون ولطاعته فيها تأنسون ولدينكم بكثرة المقام فيها تحصنون كبيوت الدنيا لأسباب دنياكم ولأنس أهليكم وتحصين أموالكم واتخذوها لمعاشكم وفكاهتكم وخصوماتكم فإنها لم تبن لذلك كما في الخبر المار (وعودوا قلوبكم الرقة) أي عند ذكر اللّه ووعده ووعيده ورقتها بدوام الفكر في الذكر ونسيان ذكر الخالق بإيثار ذكر الحق ويحتمل أن المراد تعويد القلب الرقة على الإخوان وإصفائها بذكر اللّه (وأكثروا التفكر والبكاء) يعني التفكر في عظمة اللّه وقوة بطشه فيكثر البكاء والحذر يمتنع من متابعة هواه كما قال (ولا تختلفن) في رواية لئلا تختلفن (بكم الأهواء) أما أهواء الدنيا فتقطع عن الاستعداد للآخرة، وأما أهواء البدع في الدين فتقطع عن المولى (تبنون ما لا تسكنون، وتجمعون ما لا تأكلون، وتؤملون ما لا تدركون) وهذا الذي رجح عند المنقطعين إلى اللّه انقطاعهم عن الخلق ولزومهم السياحات والبراري والسواحل والفرار من الناس والخروج عن ملك الحيوان. - (الحسن بن سفيان حل) وكذا الديلمي (عن الحكم بن عمير) وفيه عندهم جميعاً بقية وموسى بن حبيب قال الذهبي: ضعفه أبو حاتم. [ص 57] 6434 - (كونوا للعلم رعاة) كذا هو في الفردوس وغيره بالراء وفي نسخ بالواو فليحرَّر (ولا تكونوا له رواة) تمامه عند مخرجه أبي نعيم فقد يرعوي من لا يروى وقد يروى من لا يرعوي إنكم لم تكونوا عالمين حتى تكونوا بما علمتم عاملين اهـ بلفظه. فاقتصار المصنف على هذه القطعة وحذف ما عداها من سوء التصرف وإن كان جائزاً. قال في شرح الحكم: علم الهداية يحصل به المقصود من أوله وهلة وعلم الرواية لا تحصل به الهداية إلا بشرط وتدرج. وعلم الهداية تسبقه الخشية للقلب فتسكنه الهيبة والحياء والأنس، وقال الماوردي: ربما عنى المتعلم بالحفظ من غير تصور ولا فهم حتى يصير حافظاً لألفاظ المعاني وهو لا يتصورها ولا يفهم ما تضمنها يروي بغير روية ويخير عن غير خبرة فهو كالكتاب الذي لا يدفع شبهة ولا يؤدي حجة. - (حل عن ابن مسعود) من رواية القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده ابن مسعود. 6435 - (كلام ابن آدم كله عليه لا له، إلا أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر أو ذكراً للّه عز وجل) لأن اللسان ترجمان القلب يؤّدي إليه القلب علم ما فيه فيعبر عنه اللسان فيرمي به إلى الأسماع فيولج القلب إن خيراً فخير، وإن شراً فشر وكلام ابن آدم على ضروب منها ما يخلص للآخرة فذلك محبوب مطلوب متوعد عليه خير. ومنها ما يخلص للدنيا ولا نصيب للآخرة فيه وذلك مرغوب عنه متوعد عليه، ومنها ما لا بد لهم منه في معاشهم كأخذ وعطاء فذلك مأذون فيه والحساب من ورائه، ومن ثم قال بعض السلف: ما تكلمت بكلمة منذ عشرين سنة لم أتدبرها قبل التكلم بها إلا ندمت عليها إلا ذكر اللّه، وهذا الحديث مقتبس من قوله تعالى - (ت ه ك هب عن أم حبيبة) قال الترمذي: غريب 6436 - (كلام أهل السماوات) من الملائكة (لا حول ولا قوة إلا باللّه) أي أن ذلك أكثر كلامهم. - (خط) في ترجمة خلف الموازيني (عن أنس) وفيه أحمد بن محمد بن عمران. قال الذهبي في الضعفاء: ضعيف معروف وداود بن صفير قال الدارقطني وغيره: منكر الحديث وابن عدي: غالياً في التشيع، ومن ثم أورده ابن الجوزي في الواهيات وقال: لا يصح. 6437 - (كلامي لا ينسخ كلام اللّه، وكلام اللّه ينسخ كلامي، وكلام اللّه ينسخ بعضه بعضاً) وهذا من خصائص هذه الشريعة وهذا النبي صلى اللّه عليه وسلم. قال الجلال: من خصائصه أن في كتابه وشرعه الناسخ والمنسوخ، ثم هذا الحديث احتج به من منع نسخ الكتاب بالسنة وذهب الأكثر إلى جوازه لأن السنة مما أتى به اللّه قالوا: والخبر منكر. - (عد قط عن جابر) قال الذهبي: فيه جيرون بن واقد الإفريقي متهم فإنه روى بقلة حيائه هذا الحديث اهـ. وقال الغرياني في مختصر الدارقطني: فيه جيرون غير ثقة وعنه داود بن محمد القنطري أتى بحديثين باطلين قاله الذهبي، وقال ابن الجوزي في العلل: قال ابن عدي هذا حديث منكر وفي الميزان تفرد به القنطري وهو موضوع وبه يعرف أن عزو المصنف الحديث لابن عدي وحذف ما أعله به غير مرضي. [ص 58] 6438 - (كيف أنتم) أي كيف الحال بكم فهو سؤال عن الحال وعامله محذوف أي كيف تصنعون فلما حذف الفعل أبرز الفاعل (إذا كنتم من دينكم في مثل القمر ليلة البدر لا يبصره منكم إلا البصير). - (ابن عساكر) في ترجمة صدقة الخراساني (عن أبي هريرة) ظاهر صنيع المصنف أن ابن عساكر خرجه وأقره ساكتاً عليه والأمر بخلافه بل قال: إن صدقة ضعفه أحمد والنسائي ووثقه أبو زرعة اهـ. وفي الضعفاء للذهبي عن ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به. 6439 - (كيف أنتم) أي كيف تصنعون (إذا جارت عليكم الولاة) الحال المسؤول عنها أتصبرون أم تقاتلون وترك القتال لازم كما هو مصرح به في عدة أخبار. - (طب عن عبد اللّه بن بسر) المازني رمز المصنف لحسنه وليس كما قال ففيه عمرو بن هلال الحمصي مولى بني أمية قال الهيثمي: جهله ابن عدي قال في الميزان: قال ابن عدي: غير معروف ولا حديثه بمحفوظ وأشار إلى هذا الحديث قال في اللسان: قال ابن عدي هذا الذي ضعفه ابن عدي. 6440 - (كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم) أي الخليفة من قريش على ما وجب واطرد أو وإمامكم في الصلاة رجل منكم كما في مسلم أن يقال له صل بنا فيقول لا إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة لهذه الأمة. وقال الطيبي: معنى الحديث أي يؤمكم عيسى حال كونكم في دينكم وصحح المولى التفتازاني أنه يؤمهم ويقتدي به المهدي لأنه أفضل فإمامته أولى وفي رواية بدل إمامكم منك ويؤمكم منكم ومعناه يحكم بشريعة الإسلام وهذا استفهام عن حال من يكونون أحياء عند نزول عيسى كيف يكون سرورهم بلقاء هذا النبي الكريم وكيف يكون فخر هذه الأمة وعيسى روح اللّه يصلي وراء إمامهم وذلك لا يلزم انفصال عيسى من الرسالة لأن جميع الرسل بعثوا بالدعاء إلى التوحيد والأمر بالعبادة والعدل والنهي عما خالف ذلك من جزئيات الأحكام بسبب تفاوت الأعصار في المصالح من حيث أن كل واحدة منها حق بالإضافة إلى زمانها مراعى فيه صلاح من خوطب به فإذا نزل المتقدم في أيام المتأخر نزل به على وقفه ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: لو كان موسى حياً لما وسعه إلا اتباعي تنبيهاً على أن اتباعه لا ينافى الإيمان به بل يوجبه. - (ق عن أبي هريرة) ورواه عنه أحمد أيضاً. 6441 - (كيف أنت يا عويمر) أي أخبرني على أي حالة تكون يا عويمر وهو تصغير عامر (إذا قيل لك) من قبل اللّه تعالى (يوم القيامة أعلمت أم جهلت فإن قلت علمت قيل لك فماذا عملت بما علمت وإن قلت جهلت قيل لك فما كان عذرك فيما جهلت ألا تعلمت) هذا من الأدلة الشرعية على قبح الجهل وعلى وبال عدم العمل بالعلم وهو استعظام لما يقع يومئذٍ من الدهشة والتحير في الجواب والارتباك فيما لا حيلة في دفعه ولا سبيل إلى التخلص منه وأن ما يحدث المرء به نفسه ويسهله عليها تعلل بباطل وطمع فيما لا يجدي فأفاد أن الغفلة عن اللّه على ضربين الجهل بأمر الدين فلا يعرف ما يأتي ولا يعلم ما يذر والسهو عما يعلم ذهاباً عن إتيان ما أمر اللّه به وركوباً لما نهى عنه بشهوة النفس وغرور الدنيا وزخارفها وهذا أقبح النوعين. - (ابن عساكر) في تاريخه عن (أبي الدرداء). [ص 59] 6442 - (كيف بكم) قال الطيبي: كيف يسأل بها عن الحال أي ما حالكم وكيف أنتم (إذا كنتم عن) وفي نسخ في (دينكم كرؤية الهلال) كيف تفعلون وكيف يكون حالكم إذا خفيت عليكم أحكام دينكم فلم تبصرونها لغلبة الجهل واستيلاء الرين على القلب وهو استعظام لما أعد لهم وتهويل لهم وأنهم يقعون في أمر مهول لا مخلص منه. - (ابن عساكر) في التاريخ (عن أبي هريرة). 6443 - (كيف يقدس اللّه أمة لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم) استخبار فيه إنكار وتعجيب أي أخبروني كيف يطهر اللّه قوماً لا ينصرون الظالم القوي على العاجز الضعيف مع تمكنهم من ذلك أي لا يطهرهم اللّه أبداً فما أعجب حالكم إن ظننتم أنكم مع تماديكم في ذلك يطهركم ولأن التقديس من قدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد ويقال قدس إذا طهر، لأن مطهر الشيء يبعده عن الأفذار. - (ه هب عن جابر) بن عبد اللّه. 6444 - (كيف يقدس اللّه أمة) أي من أين يتطرق إليها التقديس والحال أنه (لا يأخذ ضعيفها حقه من قويها وهو غير متعتع) بفتح التاء أي من غير أن يصيبه ويزعجه قال القاضي: ترك الحسنة أقبح من مواقعة المعصية لأن النفس تلتذ بها وتميل إليها ولا كذلك ترك الإنكار عليها فترك إزالة المنكر مع القدرة أبلغ في الذم وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس أن ذنب النبي أيوب الذي ابتلي به أنه استعان به مسكين على ظالم فلم يعنه. - (ع هق) وكذلك في الشعب (عن بريدة) قال: لما قدم جعفر من الحبشة قال له النبي صلى اللّه عليه وسلم: أخبرني ما أعجب ما رأيته بها قال: موت امرأة على رأسها مكتل فأصابها فارس فرماه فجعلت تلمه وتقول: ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم فذكره قال الهيثمي بعد عزوه لأبي يعلى: فيه عطاء بن السائب ثقة لكنه اختلط وبقية رجاله ثقات وقال بعضهم عقب عزوه للبيهقي: وفيه عمرو ابن قيس عن عطاء أورده الذهبي في المتروكين وقال: تركوه واتهم أي بالوضع. 6445 - (كيف وقد قيل) قاله لعقبة وقد تزوج فأخبرته امرأة أنها أرضعتهما فركب إليه يسأله فقال: كيف أي كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها من الرضاع فإنه بعيد من المروءة والورع ففارقها ونكحت غيره قال الشافعي: كأنه لم يره شهادة فكره له المقام معها تورعاً أي فأمره بفراقها لا من طريق الحاكم بل بالورع لأن شهادة المرضعة على فعلها لا يقبل عند الجمهور وأخذ أحمد بظاهر الخبر فقبلها ولم يجز بحضرته ترافع ولا أداء شهادة بل كان ذلك مجرد إخبار واستفسار وهو كسائر ما تقبل فيه شهادة النساء الخلص لا يثبت إلا بأربع قاله القاضي قال الطيبي: كيف سؤال عن الحال وقد قيل حال وهما يستدعيان عاملاً يعمل فيهما يعني كيف تباشرها وتفضي إليها وقد قيل إنك أخوها؟ هذا بعيد من المروءة والورع وفيه أنه يجب تجنب مواقع التهم وأنشدوا: قد قيل ذلك إن صدقا وإن كذبا * فما اعتذارك عن قول إذا قيلا - (خ) في الشهادات (عن) أبي سروعة بكسر المهملة وسكون الراء وفتح الواو والمهملة (عقبة) بضم المهملة وسكون القاف (ابن الحارث) بالمثلثة بن عامر القرشي النوفلي من مسلمة الفتح ورواه أبو داود في القضاء والترمذي في الرضاع والنسائي في النكاح. [ص 60] 6446 - (كيلوا طعامكم) عند البيع وخروجه من مخزنه (يبارك لكم فيه) أي يحصل فيه الخير والبركة والنمو بنفي الجهالة عنه أما في البيع والشراء فظاهر وأما كيل ما يخرجه لعياله فلأنه إذا أخرجه جزافاً قد ينقص عن كفايتهم فيتضررون أو يزيد فلا يعرف ما يدخر لتمام السنة فأمر بالكيل ليبلغهم المدة التي ادخر لها. قال ابن الجوزي وغيره: وهذه البركة يحتمل كونها للتسمية عليه وكونها لما بورك في مد أهل المدينة بدعوته ولا ينافيه خبر عائشة أنها كانت تخرج قوتها بغير كيل فبورك لها فيه حتى علمت المدة التي تبلغ إليها عند انقضائها لأن ما هنا في طعام يشترى أو يخرج من مخزنه فبركته بكيله لإقامة القسط والعدل وعائشة كالته اختباراً فدخله النقص وقوله يبارك بالجزم جواباً للأمر. - (حم خ) في الأطعمة (عن المقدام) بكسر الميم (بن معد يكرب) غير معروف (تخ ه عن عبد اللّه بن بسر حم ه عن أبي أيوب طب عن أبي الدرداء). 6447 - (كيلوا طعامكم فإن البركة في الطعام المكيل) قال البعض: كأنه يشير إلى أنه إذا علم كيله ووزنه حلت البركة بنفي الجهالة ونفي التهمة عن الطعام بيده وكان بعضهم إذا أنفذ حاجة مع غلمانه ختمها ويقول فيه فائدتان سلامة سرى من سوء الظن بالغلام ويمنعه من الخيانة ويعوده الأمانة لكن مجرد الكيل لا يحصل البركة ما لم ينضم له قصد الامتثال فيما يشرع كيله ومجرد عدم الكيل لا ينزعها ما لم ينضم له قصد الاختبار والمعارضة. - (ابن النجار) في تاريخه (عن علي) أمير المؤمنين ورواه القضاعي وغيره وقال بعضهم: حسن غريب. 6448 - (الكافر يلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول) يا رب (أرحني ولو إلى النار) أي ولو بصرفي من الموقف إلى جهنم لكونه يرى أن ما فيه أشد منها وفيه أن العذاب لا يكون في الآخرة بإدخال الجحيم فقط بل قد يكون بأنواع أخر تقدم على دخولها. - (خط) في ترجمة علي بن عبد الملك الطائي (عن ابن مسعود) وفيه بشر بن الوليد قال الذهبي: صدوق لكنه لا يعقل كان قد خرف. 6449 - (الكبائر) جمع كبيرة وهي كل ما كبر من المعاصي وعظم من الذنوب واختلف فيها على أقوال والأقرب أنها كل ذنب رتب الشارع عليه حداً وصرح بالوعيد عليه (الإشراك باللّه) بالرفع خبر المبتدأ المقدر (وعقوق الوالدين) بأن يفعل الولد ما يتأذى به الوالد تأذياً ليس بهين مع كونه ليس من الأفعال الواجبة ذكره النووي كابن الصلاح (وقتل النفس) بغير حق (واليمين الغموس) والواو في الأربعة للعطف على السابق والشرك أعظمها. - (حم خ ت ن عن ابن عمرو). 6450 - (الكبائر سبع) قالوا: يا رسول اللّه وما هنّ؟ قال: هنّ (الشرك باللّه) بأن يتخذ معه إلهاً غيره (وعقوق الوالدين) أي [ص 61] الأصلين المسلمين وإن عليا (وقتل النفس التي حرم اللّه) قتلها (إلا بالحق) كالقصاص والقتل بالردة والرجم (وقذف) المرأة (المحصنة) بفتح الصاد أي التي أحصنها اللّه من الزنا وبكسرها اسم فاعلة أي التي حصنت فرجها من الزنا (والفرار) أي الهرب (من الزحف) يوم القتال في جهاد الكفار (وأكل الربا) أي تناوله بأي وجه كان (وأكل مال اليتيم) أي الطفل الذي مات أبوه والمراد بغير حق قال الذهبي في الكبائر: وفرار الفار عن سلطانه أعظم وزراً من فرار الفار من عسكر خذلوا ثم انضم إلى بلد سلطانه وكذا فرار من فر لفرار سلطانه أخف كالجند في فرارهم (والرجوع إلى الأعرابية بعد الهجرة) هذا يدل على انقسام الكبائر في عظمها إلى كبير وأكبر، وأخذ منه ثبوت الصغيرة لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وما وقع للأستاذ الباقلاني والإمام من أن كل ذنب كبيرة وتفهيم الصغيرة فإنما هو نظر إلى عظمة من عصى الرب فكرهوا تسمية معصية اللّه صغيرة مع وفاقهم في الحرج على أنه لا يكون بمطلق المعصية فالخلف لفظي يرجع إلى مجرد التسمية ثم إنه لا يلزم من كون المذكورات أكبر الكبائر استواء رتبتها في نفسها كما إذا قلت زيد وعمرو أفضل من بكر فإنه لا يقتضي استواؤهما قال الطيبي: ليس لقاتل أن يقول كيف عدها هنا سبعاً وفي أحاديث أخر أكثر لأنه إنما أنهى في كل مجلس ما أوحي إليه أو سنح له باقتضاء أحوال السائل وتفاوت الأوقات فالأضبط أن تجمع كلها وتجعل مقيساً عليها كما بينه ابن عبد السلام. - (طس عن أبي سعيد) الخدري رمز المصنف لصحته والأمر بخلافه ففيه عبد السلام بن حرب أورده الذهبي في ذيل الضعفاء وقال: صدوق وقال ابن سعد: في حديثه ضعف وإسحاق ابن عبد اللّه بن أبي فروة ساقه الذهبي في الضعفاء وقال: متروك واه. 6451 - (الكبائر) جمع كبيرة قال أبو البقاء: وهي من الصفات الغالبة التي لا يكاد يذكر الموصوف معها (الشرك باللّه) أي أن تجعل للّه نداً وتعبد معه غيره من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أو نبي أو شيخ أو جني أو نجم أو غير ذلك قال اللّه تعالى - (البزار) في مسنده (عن ابن عباس) قال: إن رجلاً قال: يا رسول اللّه ما الكبائر فذكره. رمز المصنف لحسنه قال الزين العراقي في شرح الترمذي: إسناده حسن. 6452 - (الكبائر الإشراك باللّه) أي مطلق الكفر وتخصيص الشرك لغلبته في الوجود حالتئذ واحتمال إرادة تخصيصه [ص 62] رد بأن بعض الكفر أقبح من الشرك وهو التعطيل لأنه نفي مطلق والإشراك إثبات مقيد (وقذف المحصنة وقتل النفس المؤمنة والفرار يوم الزحف) أي الإدبار للفرار يوم الازدحام للقتال والزحف الجماعة الذين يزحفون أي يمشون بمشقة (وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين المسلمين) مصدر عق والده يعق عقوقاً فهو عاق أذاه وعصاه وخرج عليه (وإلحاد بالبيت) أي ميل عن الحق في الكعبة أي حرمها (قبلتكم أحياءاً وأمواتاً) فيه انقسام الذنوب إلى كبير وأكبر فيفيد ثبوت الصغائر لأن الكبيرة بالنسبة إليها أكبر منها وقد فهم الفرق بين الكبيرة والصغيرة من مدارك الشرع وقد جاء في عدة أخبار ما يكفر الخطايا ما لم يكن كبائر فثبت به أن من الذنوب ما يكفر بالطاعة ومنها ما لا يكفر وذلك عين المدعي ولهذا قال حجة الإسلام: إنكار الفرق بين الكبيرة والصغيرة لا يليق بفقيه واعلم أن هذا الحديث قد روى بأتم من هذا ولفظه الكبائر تسع الشرك باللّه وقتل مؤمن بغير حق وفرار يوم الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وقذف المحصنة وعقوق الوالدين المسلمين واستحلال البيت الحرام قبلتكم ما من رجل يموت لم يعمل هؤلاء الكبائر ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة إلا كان مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في دار أبوابها مصاريع من ذهب قال الذهبي في الكبائر: إسناده صحيح ووضع عليه علامة أبي داود والنسائي فكان ينبغي للمؤلف إيثاره. - (عق عن ابن عمر) بن الخطاب رمز لصحته وفيه عبد الحميد بن سنان قال في الميزان: لا يعرف ووثقه بعضهم وقال البخاري: حديثه عن ابن عمر فيه نظر. 6453 - (الكبر من بطر الحق) أي فعل من بطره أي دفعه وأنكره وترفع عن قبوله (وغمط الناس) بطاء مهملة كذا بخط المؤلف وهي رواية مسلم وفي رواية الترمذي غمص بغين معجمة وصاد مهملة بدل الطاء قال القاضي: فالمعنى واحد قال الغزالي: وقوله غمص الناس أي ازدراهم واحتقرهم وهم عباد اللّه أمثاله أو خير منه وبطر الحق رده وقال القاضي: البطر الحيرة والمعنى التحير في الحق والتردد فيه أو معناه التكبر عن الحق وعدم الالتفات إليه أو معناه إبطاله وتضييعه من قولهم ذهب دم فلان بطراً أي هدراً وغمط الناس احتقارهم والتهاون بحقوقهم والمتكبر منازع للّه في صفته الذاتية التي لا يستحقها غيره فمن نازعه إياه فالنار مثواه فعقوبة المتكبر في الدنيا المقت من أولياء اللّه والذلة بين عباد اللّه. - (د ك عن أبي هريرة) ورواه يعلى عن ابن مسعود وهو في مسلم من جملة حديث. 6454 - (الكبر الكبر) بضم الكاف والباء ونصب آخره على الإغراء أي كبر الكبر أو ليبدأ الأكبر بالكلام أو قدموا الأكبر إرشاداً إلى الأدب في تقديم الأسن قاله وقد حضر إليه جمع في شأن صاحب لهم وجدوه قتيلاً في خيبر فلم يعرف قاتله فبدأ أصغرهم ليتكلم فذكره ثم طالبهم ببينة فقالوا: ما لنا بينة قال: فيحلفون قالوا: ما نرضى بأيمان اليهود فكره أن يبطل دمه فواده بمئة من إبل الصدقة أي اشتراها من أصحابها بعد ما ملكوها قال القاضي: خبر القسامة أصل من أصول الشرع به أخذ العلماء كافة وإنما اختلفوا في كيفية الأخذ. - (ق د عن سهل بن أبي حثمة) الخزرجي صحابي مشهور. 6455 - (الكذب كله إثم إلا ما نفع به مسلم) محترم في نفس أو مال (أو دفع به عن دين) لأنه لغير ذلك غش وخيانة ومن ثم كان أشد الأشياء ضرراً والصدق أشدها نفعاً وقبح الكذب مشهور معروف إذ ترك الفواحش بتركه وفعلها [ص 63] بفعله فموضعه من القبح كموضع الصدق من الحسن ولهذا أجمع على حرمته إلا لضرورة أو مصلحة قال الغزالي: وهو من أمهات الكبائر قال: وإذا عرف الإنسان بالكذب سقطت الثقة بقوله وازدرته العيون واحتقرته النفوس وإذا أردت أن تعرف قبح الكذب فانظر إلى قبح كذب غيرك ونفور نفسك عنه واستحقارك لصاحبه واستقباحك ما جاء به قال: ومن الكذب الذي لا إثم فيه ما اعتيد في المبالغة كجئت ألف مرة فلا يأثم وإن لم يبلغ ألفاً قال: ومما يعتاد الكذب فيه ويتساهل أن يقال كل الطعام فيقول لا أشتهيه وذلك منهي عنه وهو حرام إن لم يكن فيه غرض صحيح وقال الراغب: الكذب عار لازم وذل دائم وحق الإنسان أن يتعود الصدق ولا يترخص في أدنى الكذب فمن استحلاه عسر فطامه وقال بعض الحكماء: كل ذنب يرجى تركه بتوبة إلا الكذب فكم رأينا شارب خمر أقلع ولصاً نزع ولم نر كذاباً رجع، وعوتب كذاب في كذبه فقال: لو تغرغرت به وتطعمت حلواته ما صبرت عنه طرفة عين. - (الروياني) في مسنده (عن ثوبان) مولى النبي صلى اللّه عليه وسلم رمز لحسنه. 6456 - (الكذب يسود الوجه) لأن الإنسان إذا قال بلسانه ما لم يكن كذبه اللّه وكذبه إيمانه من قلبه فينظر أثر ذلك على وجهه تنبيه: قال الراغب: الكذب إما أن يكون اختراع قصة لا أصل لها أو زيادة في قصة أو نقصاناً أو تحريفاً بتغيير عبارة فالاختراع يقال له الافتراء والاختلاق والزيادة والنقص يقال له ذنب وكل من أراد كذباً على غيره فإما أن يقول بحضرة المقول فيه أو بغيبته وأعظم الكذب ما كان اختراعاً بحضرة المقول فيه وهو المعبر عنه بالبهتان والداعي إلى الكذب محبة النفع الدنيوي وحب الترؤس وذلك أن المخبر يرى أن له فضلاً على المخبر بما علمه فيظن أنه يجلب بقوله فضيلة ومسرة وهو يجلب به نقيصة وفضيحة كذبة واحدة لا توازي مسرات. - (هب) من حديث زياد بن المنذر عن أبي داود (عن أبي برزة) مرفوعاً وقضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه والأمر بخلافه بل أعله فقال عقبه: في هذا الإسناد ضعف اهـ. وقد تساهل في إطلاقه عليه الضعف وحاله أفظع من ذلك فقد قال الهيثمي وغيره: فيه زياد بن المنذر وهو كذاب اهـ. فكان ينبغي للمصنف حذفه من الكتاب. 6457 - (الكرسي لؤلؤ والقلم وطول القلم سبع مئة سنة) أي مسيرة سبع مئة عام والظاهر أن المراد به التكثير لا التحديد كنظائره (وطول الكرسي حيث لا يعلمه العالمون) قال في الكشاف: في آية الكرسي هذا تصوير لعظمة اللّه وتخييل لأن الكرسي عبارة عن المعقد الذي لا يزيد على القاعد وهنا لا يتصور ذلك وقال في الكشف: الكرسي ما يجلس عليه ولا يفضل عن مقعد القاعد وقوله - (الحسن بن سفيان، حل عن محمد بن الحنفية مرسلاً) هذا تصريح من المصنف بأن أبا نعيم لم يروه إلا مرسلاً وهو ذهول عجيب فإنه إنما رواه عن الحنفية عن أبيه أمير المؤمنين مرفوعاً [ص 64] ثم إن فيه عندهما عنبسة بن عبد الرحمن فقد مر قول الذهبي وغيره: فيه متروك متهم. 6458 - (الكرم التقوى والشرف التواضع) قال السكري: أراد أن الناس متساوون وأن أحسابهم إنما هي بأفعالهم لا بأنسابهم قال الحجاج بن أرطأة لسوار بن عبد اللّه: أهلكني حب الشرف فقال: سوار اتق اللّه تشرق (واليقين الغنى) فإن العبد إذا تيقن أن له رزقاً قدّر لا يتخطاه عرف أن طلبه لما لم يقدّر عناء لا يفيد سوى الحرص والطمع المذمومين فقنع برزقه وشكر عليه. - (ابن أبي الدنيا) أبو بكر (في اليقين) أي في كتاب اليقين (عن يحيى بن كثير مرسلاً) ورواه العسكري عن عمر بلفظ الكرم التقوى والحسب المال لست بخير من فارسي ولا نبطي إلا بتقوى. 6459 - (الكريم) أي الجامع لكل ما يحمد (ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم) قال في التنقيح: ابن الأول مرفوع وما بعده مجرور وكذا قوله الآتي يوسف بن يعقوب إلى آخره فإن ابن الأول صفة الكريم المرفوع وأما البواقي فصفة للكرم المجرور قال: فليتنبه لذلك فإنه مما يخفى اهـ. وهذا من تتابع الإضافات لكنه غير مستكره قال في دلائل الإعجاز عازياً للصاحب بن عباد: إياك والإضافات المتداخلة فإنها لا تحسن لكنه إذا سلم من الاستكراه ملح ولطف وكتب ابن في الثلاثة بدون ألف لعله من تصرف النساخ وصوابه إثباتها لوقوعها بين الصفات (يوسف) بالرفع خبر المبتدأ وهو قوله الكريم (ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم) نسب مرتب لما ذكر من اللف والنشر وأي كريم أكرم ممن حاز مع كونه ابن ثلاثة أنبياء متراسلين شرف النبوة وحسن الصورة وعلم الرؤيا ورئاسة الدنيا وحياطة الرعايا في القحط والبلاء؟ قال الشاعر: إن السرى إذا سرى فبنفسه * وابن السرى إذا سرى أسراهما وقد وقع قوله الكريم ابن الكريم إلخ موزوناً ولا تعارض بينه وبين قوله تعالى - (حم خ) في تفسير يوسف (عن ابن عمر) بن الخطاب (حم عن أبي هريرة) ووهم الحاكم فاستدركه وعجب من الذهبي كيف أقره عليه وغلط الطيبي فقال: رواه الشيخان والذي روياه إنما هو خبر أكرم الناس المال. 6460 - (الكشر) بكسر الكاف ظهور الأسنان للضحك (لا يقطع الصلاة ولكن يقطعها القرقرة) أي الضحك العالي إن ظهر به حرفان أو حرف مفهم عند الشافعية. وقال أبو حنيفة: القهقهة تبطلها مطلقاً. - (خط عن جابر) وفيه ثابت بن محمد الزاهد أورده الذهبي في الضعفاء وقال: ضعف لغلطه ورواه عنه الطبراني في الصغير مرفوعاً وموقوفاً قال الهيثمي: ورجاله موثقون. 6461 - (الكلب الأسود البهيم) أي الذي لا شية فيه بل كله أسود خالص شيطان سمي شيطاناً لكونه أعقر الكلاب وأخبثها وأقلها نفعاً وأكثرها نعاساً ومن ثم قال أحمد: لا يحل الصيد به ولا يؤكل مصيده لأنه شيطان وقال الثلاثة: لا فرق بين الأسود وغيره وليس المراد بالحديث إخراجه من جنس الكلاب لأنه إذا ولغ في الإناء يغسل كغيره ولا يزاد وأخذ بظاهر هذا الخبر المالكية فمنعوا اقتناء الأسود إلا لحاجة نحو صيد أو حرس وجوزوا قتله دون غيره والأصح [ص 65] عند الشافعية حال اقتنائه لما ذكر وجواز قتل العقور لا غيره مطلقاً قيل ولولا أن لسان الكلب معقول لتكلم. - (حم عن عائشة) رمز المصنف لصحته وليس كما ينبغي فقد قال الهيثمي: فيه ليث بن أبي سليم ثقة لكنه مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح. 6462 - (الكلمة الحكمة) قال التوربشتي: روي بالإضافة وروي الكلمة الحكيمة بالياء وكل قريب فالمراد بالكلمة الحكمة المقيدة والحكمة التي أحكمت مباينها بالعلم والعقل والحكيم المتقن للأمور الذي له غور فيها. قال الطيبي: وعلى الرواية الأولى يعني الكلمة الحكمة جعل الكلمة نفس الحكمة مبالغة وعلى رواية الحكيمة يكون من الإسناد المجازي لأن الحكيم قائلها (ضالة المؤمن) أي مطلوبه فلا يزال يطلبها كما يتطلب الرجل ضالته (فحيث وجدها فهو أحق بها) أي بالعمل بها واتباعها يعني أن كلمة الحكمة ربما نطق بها من ليس لها بأهل ثم رجعت إلى أهلها فهو أحق بها كما أن صاحب الضالة لا ينظر إلى خساسة من وجدها عنده. خطب الحجاج فقال: إن اللّه أمرنا بطلب الآخرة وكفانا مؤونة الدنيا فليته كفانا مؤونة الآخرة وأمرنا بطلب الدنيا فقال الحسن: خذوها من فاسق الحكمة ضالة المؤمن، ووجد رجل يكتب عن مخنث شيئاً فعوتب فقال: الجوهرة النفيسة لا يشينها سخافة غائصها ودناءة بائعها. قال بعضهم: والحكمة هنا كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيحة وقال القاضي: الكلمة هنا بمعنى الكلام والحكمة المحكمة وهي التي تدلّ على معنى فيه دقة للحكيم الفطن المتقن الذي له غور في المعاني وضالته مطلوبه والمعنى أن الناس متفاوتة الأقدام في فهم المعاني واستنباط الحقائق المحتجبة واستكشاف الأسرار المرموزة فمن قصر فهمه عن إدراك حقائق الآيات ودقائق الأحاديث ينبغي أن لا ينكر على من رزق فهمها وألهم تحقيقها ولا ينزع فيه كما لا ينازع صاحب الضالة في ضالته إذا وجدها وأن من سمع كلاماً ولم يفهم معناه أو لم يبلغ كنهه فعليه أن لا يضيعه ويحمله إلى من هو أفقه منه فلعله يفهم منه ما لا يفهمه ويستنبط ما لا يمكنه استنباطه كما أن الرجل إذا وجد ضالة مضيعة فلا يضيعها بل يأخذها ويتفحص عن صاحبها حتى يجده فيردها عليه فإن العالم إذا سئل عن معنى ورأى في السائل دراية وفطانة يستعيد بها فهمه فعليه أن يعلمه ولا يمنعه.
|